في منبعه الأساسي سر غامض، يعتبره علماء الجيولوجيا كنزاً كبيراً، ربما يستحيل كشف رموزه إلى أن تقوم الساعة!.. ما من ماء يصل إلى هذا النبع، حتى يكتسب خواص ماء زمزم، نقاء ه وطهارته!..
هذه النتيجة ليست نظرية أو غيبية أو منقولة من بطون الكتب القديمة، لكنها خلاصة أبحاث علمية شملت البئر وماء ه ودرجة نقائه، وشملت مياه آبار أخرى قريبة جداً منه، وجد أنها لا تتمتع بنفس الخواص.
يفيض الماء منه منذ آلاف السنين، دون أن يجف البئر، أو ينقص حجم المياه فيه، وكانت مفاجأة مدهشة للعلماء أثناء توسعة الحرم المكي، وتشغيل مضخات ضحمة لشفط المياه من بئر زمزم حتى يمكن وضع الأساسات، أن غزارة المياه المسحوبة، قابلها فيضان مستمر في الماء، يفور ويمور كأنه أمواج البحر.
فإذا كان العلم يقول هذا ويتعجب منه، فإن بعض المنقطعين للعبادة في الحرم المكي والعاكفين يروون أسراراً لا يجدون لها تفسيرا، فيكتفون باعتبارها من الغيبيات التي توجب الاستنكار أو الدهشة، فماء زمزم الذي يشربونه في انقطاعهم للعبادة، تتغير خواصه، فيصبح كأنه لبن أو عسل مصفى.
=========================
مكنوز أسرار لا تستوعبه العقول!..
ويقول الكاتب السعودي عمر المضواحي - المهتم بالكتابة عن الأماكن المقدسة -: إن هذا البئر هو أقدس آبار المياه عند المسلمين، وليس هناك شراب على وجه الأرض، يفوق مكانة ماء زمزم عندهم.. ويحملون لهذا الماء ذي الطعم الفريد، قدسية خاصة، ويؤمنون بأنه مكنوز بأسرار لا قبل للعقل البشري في استيعابها، أو لا يعرفون تفسيراً لتغير خواصه ومنافعه، وفق حالة شاربه ورغبته..
وهو في لغة " العارفين " بريد الأمنيات المحققة، ولا يخالط قلوبهم ذرة شك في أن " زمزم لما شرب له "، وبأنه كفيل بتحقيق أمنيات شاربه مهما كانت، شرط أن يكون مؤمناً صادق الإيمان والنية، غير مكذب لخاصيته، ولا يفعل ذلك كنوع من التجربة..
وعند هؤلاء " العارفين " أيضاً أن الله مع المتوكلين، وهو يفضح المجربين، فشرب زمزم عندهم للخائف أمان, وللمريض شفاء، وللجائع طعام، ولا يخالط شاربه - لإيمانه القاطع بأسراره - أي عجب أو استنكار، فيما لو تغير حاله من محض ماء إلى شراب من سويق أو لبن أو عسل مصفى، للمنقطعين والعاكفين في البيت العتيق، والمرويات حول هذه الغرائب كثيرة، ناء ت بحملها بطون الكتب الدينية وأسفار التاريخ والسير..
يضيف عمر المضواحي : ما يزيد هذا البئر شرفاً عند المسلمين، أنه حفر بجناح جبريل، وساقت الملائكة مياهه من أنهار الجنة، غياثاً للسيدة هاجر وابنها الرضيع إسماعيل (ع)، وسقيا لضيوف الرحمن، وليكون آية للناس على مر العصور والأزمان.
وقد كانت رئاسة شؤون الحرمين الشريفين - وهي الجهة التي تتولى مسؤولية العناية بالمسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة - قد أكملت مشروع توسعة صحن الطواف المحيط بالكعبة المشرفة، ليستوعب الآن نحو ثلاثة أضعاف عدد الطائفين عما كان في السابق..
وقامت بردم مدخل البئر السابق في الجنوب الشرقي من واجهة الكعبة المشرفة، وتسقيف سطحه المفتوح ليدمج مع صحن الطواف.. ونقل المدخل إلى خارج الحرم من جهة الصفا في المسعى باتجاه جبل أبي قبيس.. ويهدف المشروع لمواجهة كثافة أعداد الحجاج والمعتمرين، بعد موافقة الحكومة السعودية على فتح باب العمرة، واستقبال نحو 10 ملايين معتمر طوال تسعة أشهر من السنة..
ويستطرد المضواحي : أن بئر زمزم هو بئر الماء الوحيد الذي تشرف عليه وزارة للبترول في العالم، وهو البئر رقم (1) في سلم اهتمام ملوك آل سعود.. وبموجب إرادة سامية تشرف وزارة البترول والثروة المعدنية في الحكومة السعودية على بئر زمزم، باعتباره ثروة قومية ودينية في البلاد.
ويصف الدكتور المهندس يحيى حمزة كوشك في حديث مع عمر المضواحي، نشره في جريدة الشرق الأوسط عام 2004 ميلادية المشروع الجديد : بأنه حل جيد من ناحية توسعة المطاف، لكنه يؤيد مشاهدة الناس لبئر زمزم، وبأي وسيلة كانت.. وقال : " كانت هناك فكرة لتسقيف سطح البئر بالزجاج الشفاف, لكن المشكلة أنه سيكون عائقاً جديداً، نتيجة تجمهر الناس عليه لرؤية البئر، مما سيتسبب في مضايقة الطائفين, كما هو الحال الآن، أمام وخلف مقام إبراهيم، وخط بداية الطواف الجديد ".
=========================
البئر تحت صحن الطواف
ويؤكد الكوشك - وهو أول خبير سعودي في المياه، والذي أشرف على دراسة تاريخية لبئر زمزم في العام 1401 هـ - أنه : " لم تخرج بئر زمزم من ساحة الحرم.. وهو موجود في مكانه تحت مستوى صحن الطواف، منذ توسعة خادم الحرمين الشريفين للمسجد الحرام..
وهو محاط بسياج من ألواح الزجاج السميك، ليتمكن الناس من مشاهدته - قبل المشروع الجديد - بهدف منع الروائح النافذة، التي كانت تنتج من اغتسال بعض الحجاج والمعتمرين والمصلين, والذين كانوا يستخدمون ماء زمزم بشكل سيئ ".
وقديماً كان على البئر بناء تعلوه قبة مساحته 8. 88 متر مربع، يحتوى على غرف مستودعات ومستبرد لدوارق ماء زمزم، تم هدمه ما بين عام 1381..
وتم عمل بدروم مكيف أسفل المطاف، بمدخل منفصل للرجال والنساء..
ويمكن رؤية البئر من خلف حاجز زجاجي شفاف، كما استبدلت أيضاً طريقة الشرب القديمة التي كانت تعتمد على جلب الماء بالدلاء من جوف البئر، إلى اعتماد أنظمة حديثة توفر ماء زمزم عبر نظم سقاية حديثة، لتوفيره مفلتراً وبارداً ومعالجاً بالأشعة فوق البنفسجية، ليكون بأفضل المستويات الصحية.
=========================
نقود وأباريق شاي في قاع البئر!
ويتذكر الكوشك في حديثه المشار إليه : أنه تم إحاطة البئر بالزجاج، لمنع الناس من إلقاء أشياء ومتعلقات وسط البئر، طلباً للبركة وغيرها.. يقول : " وجدنا أثناء عمليات تنظيف البئر نقود معدنية وأباريق شاي, وقرون عظمية تحمل نقوشاً وأعمالاً سحرية.. وكان من بين ما وجدنا في البئر قطعة من الرخام، كتب عليها المجاهد الليبي عمر المختار (رب حقق ما في نفسي!) ".
يضيف الكوشك عن المشروع الجديد : " تم عمل نفق أرضي من خارج الحرم للوصول إلى البئر، وهو خاص بعمليات الصيانة فقط.. وكان هناك رأيين حول استخدامات هذا النفق.. الأول : أن يتاح للراغبين في رؤية البئر الدخول منه من دون السماح بالاغتسال فيه.. والرأي الآخر : استبعد ذلك لعدة عوامل، منها أن مسافة النفق طويلة (نحو نصف ميل)، ومساحته ضيقة, ويحتاج إلى أنظمة تهوية وإنارة وإجراء ات أمنية ".
=========================
المصدر الرئيسي تحت الحجر الأسود
ولماء زمزم أسماء تزيد عن (60) اسماً، أشهرها : زمزم، وسقيا الحاج، وشراب الأبرار، وطيبة، وبرة، وبركة، وعافية.. وتمت عدة دراسات علمية، بهدف معرفة مصادرها من المياه.. وخلصت هذه الدراسات : أن بئر زمزم تستقبل مياهها من صخور قاعية، تكونت من العصور القديمة، وذلك عبر ثلاث تصدعات صخرية، تمتد من الكعبة المشرفة والصفا والمروة، وتلتقي في البئر..
أيضاً ينقل عمر المضواحي عن المهندس فخري بخش مدير مبيعات مياه (أفيان) الفرنسية في شركة البحراوي السعودية قوله : إن شركة فرنسية اخترعت جهاز دقيق للغاية في تحليل تركيب المياه، وجاء ت إلى السعودية لتسويقه.. وقام ممثل الشركة بعرض إمكانيات الجهاز الحديث أمام مندوبي وكلاء المياه المحلاة والمعدنية المستوردة إلى السوق المحلي، تبين فيه أن ماء زمزم كان أنقى المياه التي تم اختبارها في هذا الجهاز ".
الاستشفاء بماء زمزم!
ويجيب الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه - وزير العدل الموريتاني الأسبق - عن جواز استشفاء غير المسلمين بماء زمزم بقوله : " لا أعرف في هذا نصاً.. لكن الظاهر لي، إذا كان المسلم يعالج غيره، فيمكنه أن يعالجه بماء زمزم، حتى يظهر كرامة هذا الماء لغير المسلم، وحتى يكون من باب الدعوة له في دخول الإسلام ".
وأستدل الشيخ العلامة بقصة تصدي بعض الصحابة (رض) لعلاج رجل كافر كان لديغاً، فعالجوه بقراء ة الفاتحة عليه. وأقرهم الرسول (ص) على ذلك كما ورد في الحديث الشريف.
وروى المؤرخ الفاكهي في كتابه (أخبار مكة) قصصاً تشير إلى حب علماء أهل الكتاب لماء زمزم.. ونقل عن أبي حصين عن مجاهد بن جبر التابعي المكي، شيخ القراء والمفسرين، قوله : " كنا نسير في أرض الروم، فآوانا الليل إلى راهب، فقال هل فيكم من أهل مكة أحد؟.. قلت : نعم، قال : كم بين زمزم والحجر الأسود؟.. قلت : لا أدري، إلا أن أحزره، قال : لكني أدري، إنها تجري من تحت الحجر، ولأن يكون عندي منها ملء طست، أحب إلي من أن يكون عندي ملأه ذهبا ".
وروى الشيخ سائد بكداش مصنف كتاب (فضل ماء زمزم) عن محمد بن حرب أنه قال : إنه أسر في بلاد الروم، وأنه صار إلى الملك، فقال له : من أي بلد أنت؟. قال من أهل مكة، فقال : هل تعرف بمكة هزمة جبريل؟.. قال : نعم، قال : فهل تعرف برة؟.. قال : نعم، قال : فهل لها اسم غير هذا؟.. قال : نعم، هي اليوم تعرف بزمزم.. قال : فذكر من بركتها، ثم قال : أما إنك إن قلت هذا، إنا نجد في كتبنا : أنه لا يحثو رجل على رأسه منها ثلاث حثيات فأصابته ذلة أبداً.